ان الايام التي تعيشها الحوزة العلمية الشيعية هي من الفترات التي لا تتجاوز اهميتُها خطورتَها ، فالحوزة تعيش مرحلة انتقال بين عصرين لا بد لها من الخوض في مضماريهما ، بين التقية و التنوير .. فهي تعيش المشاركة في صناعة التأريخ الشيعي العالمي الجديد ، و تقرر بدقة و تفاني مصير الطائفة ،رغم انه لا اشكال ان ذلك كله لا يخلو من الالطاف و المقدرات الالهية ، فالثورة العقائدية التي تحملتها المرجعية الدينية ، و القيادات العليا في الحوزة العلمية هي مسؤولية عظيمة .. و في هذه الظروف فهي دقيقة في انتقاء الالفاظ و المفردات كما هي دقيقة في اصدار القرارات ، و كدقتها كذلك في طرحها العقائدي و تفانيها المتواصل في نشر التشيع ..
لا يخفى ان زعامة الحوزة العلمية في اواخر القرن الماضي قد اتخذت اتجاهين ، ان لم نقل انهما متعاكسين قلنا انهما مكملين لبعضهما ان صح ذلك القول .. الاتجاه الاول المتمثل بزعامة حوزة النجف الاشرف التي اختارت اعتزال السياسة و اكتفائها بتوجيه النصائح و الارشادات السياسية ، و اختارت العمل المتفاني في نشر التشيع و تحملت مسؤولية ايصال صوت الحق الالهي الى العالم قاطبة ، فها هي المراكز و المؤسسات التي عملت بجهد متواصل في اواخر القرن الماضي و في القرن الحالي ، حيث ارسلت العلماء و الباحثين المتبصرين و استفادت من الدارسين المستبصرين الى اخر بقاع الارض ، هجروا الاوطان و سكنوا بلاد الغربة و يعملون بتفاني لنشر الاسلام الصادق ..
يقابلها المرجعية السياسية ،الجهادية التي اختارت الطريق السياسي هادفة الى صناعة مركز قوة و صوت عالمي مسموع و معتبر للشيعة ، هادفة بذلك الى الوقوف بوجه الاعتداءات المستمرة على الطائفة التي لم يخلُ منها التأريخ كما لم يخلُ منها الحاضر . و كذلك الى رفع الظلم عن المستضعفين الشيعة ..
و لكن السؤال الذي يطرح نفسه في خضم هذا السرد المتواصل ، هل رفع الظلم عن الطائفة ؟ هل هذه التوجهات الحوزوية كافية ؟! و لعل البعض يقول " هل حالنا افضل ؟! "
الواقع اننا ان كنا فعلاً منتظرين لان يرفع الظلم و الاستضعاف عن الطائفة علينا ان نتحرك ، بيد ان حركة الحوزة العلمية ما هي الا بصيص أمل ، فالمرجعية الدينية كانت على مرّ التأريخ لها حركات مشابهة ، و ان كانت التقية غالبة عليها و ان كانت اقل شمولية من الوقت الحاضر و لكن هذه التحركات و هذه المحاولات لا بد ان يكون المؤمنين جزءاً منها ..
المسؤولية الملقاة على عاتق الانسان الشيعي أكبر من حد تصوره بكثير ، فلا بد للعوام من المشاركة في هذه الحركات و الاجتهاد بالدراسة و البحث في مختلف الجوانب الدينية و لا بد له من ان يأخذ دوره الفعّال في هذه المرحلة .. و ذلك ان طريق توعية الاخر و توجيهه و تفعيل دور المناقشة و المناظرة في نشر العقيدة السليمة .
يبدأ ذلك بالفعل بتوجه الانسان الشيعي اولا الى اصلاح نفسه من بعض الأمور التي تتطلب الاصلاح و الاجتهاد في الابتعاد عن الذنوب و الآثام و الاعتبار بمواعظ اهل البيت صلوات الله عليهم ، و الاقتداء بهم و جعلهم الوسيلة الاولى لنشر الاسلام السليم ..
فلتعلم اخي المؤمن انك ان لم تقاتل في ساحات القتال بدعوى ان الجهاد كفائي ، فانه ان كان مجزءاً عن فعل القتال فانه لم يجزء عن فعل الاولى بك و هو التفقه في الدين و دراسة العقيدة و صناعة قاعدة ثقافية دينية تستند الى مبادئ علمية سليمة ، و من ثم استعمال اسلوب الطرح و المناظرة و الجدال بالتي هي احسن لنشر الاسلام الصحيح . و ذلك باستعمال الادلة العقلية و النقلية كما اعتاد على ذلك العلماء ..
قال تعالى في كتابه الكريم
( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) التوبة | 122 |